أفكار وآراء

المشاريع الاقتصادية المتميزة في الدقم

28 أبريل 2018
28 أبريل 2018

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

تتميز المشاريع التنموية التي تقام بالمنطقة الاقتصادية بالدقم من حيث حجمها وقيمتها ونوعيتها وضرورتها للقطاعات الاقتصادية الأخرى المتعددة. فقبل عدة أيام شهدت منطقة الدقم الاقتصادية مراسم وضع حجر الأساس لمشروع مصفاة الدقم والصناعات البتروكيماوية الذي يعتبر أول مشروع مشترك بالمناصفة بين شركة النفط العمانية، وشركة البترول الكويتية العالمية. قد وضع حجر الأساس لهذا المشروع الضخم صاحب السمو السيد هيثم بن طارق آل سعيد، وزير التراث والثقافة، وبحضور الوزراء والمسؤولين في السلطنة ودولة الكويت الشقيقة.

وفي الوقت الذي بدأ فيه العمل في هذا المشروع الحيوي بين السلطنة ودولة الكويت الشقيقة، طالعتنا الصحافة العالمية بتوجه السلطنة بطرح مناقصة لإنشاء خط تحت البحر لأنابيب الغاز الذي سيربط بين مدينة صحار وإيران وفق تصريح معالي الدكتور محمد الرمحي وزير النفط والغاز بعدما تم تعديل مسير هذا الخط ليمر في المياه الإقليمية للسلطنة وإيران فقط، الأمر الذي أدى ارتفاع تكلفة هذا الخط. ويتم الآن وضع اللمسات الأخيرة على المناقصة لتلقي العروض وبدء عملية الإنشاء لاحقا. وعند الانتهاء من ذلك ستقوم إيران بتصدير 28.3 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا إلى السلطنة، فيما من المتوقع أن تصل تكلفة إنجاز هذا المشروع ما بين 1.2 إلى 1.5 مليار دولار، فيما سيتم استخدام الغاز الإيراني للاحتياجات المحلية وتصديره إلى الأسواق العالمية كغاز مسال.

وهذا المشروعان لا يهمان فقط دول المنطقة، بل الكثير من الدول الأخرى من المتوقع الاستفادة منهما. فمشروع مصفاة الدقم والصناعات البتروكيماوية يعتبر من المشاريع الكبيرة في المنطقة حيث ستصل الطاقة التكريرية له حوالي 230 ألف برميل يوميا عند إنجازه، وبذلك يشكّل أكبر مشروع استثماري مشترك بين دولتين خليجيتين في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، ويعمل على التكامل بين دول المنطقة التي تحتاج إلى منتجاتها جميع دول مجلس التعاون الخليجي والعالم، حيث من المؤمل أن يسهم المشروع في تحويل المنطقة إلى أحد أكبر المراكز الصناعية والاقتصادية في السلطنة. كما يمثّل إضافة نوعية لقطاع المصافي والبتروكيماويات في المنطقة، ويفتح آفاقا رحبة تساهم في دفع عجلة الاقتصاد الوطني، من خلال نقل الخبرات والتكنولوجيا، علاوة على توفير فرص عمل واعدة للشباب العماني. كما يعد مشروع مصفاة الدقم بمثابة حجر الزاوية لإقامة مشروعات أخرى في المستقبل ضمن سلسلة القيمة المضافة بالشق السفلي منها، والتي ستظهر لاحقا في هذه المنطقة. كما سيساهم المشروع في زيادة الطلب على الخدمات اللوجستية، الأمر الذي سيعزز من الحركة التجارية البرية والجوية والبحرية من وإلى السلطنة. ويسهم في تحويل المنطقة إلى أحد أكبر المراكز الصناعية والاقتصادية.

ويتخذ هذا المشروع من مدينة الدقم مقرا له باعتبارها من المناطق الاستراتيجية للسلطنة نتيجة وقوعها على البحار المفتوحة لبحر العرب والمحيط الهندي، وعلى مفترق الطرق التجارة الدولية بين القارة الاسيوية والافريقية، حيث تزدهر التجارة بينها. ويأتي تنفيذه في إطار الشراكة الحقيقية مع دولة الكويت الشقيقة، وترجمة لمساعي شركة النفط العمانية التي تعتبر أحد الأذرعة للوزارة المعنية في مجال الاستثمارات النفطية والغاز، حيث ترمي من ذلك إلى تعزيز العائدات النفطية واستقطاب الاستثمارات الأجنبية إلى السلطنة وفق ما صرح به المهندس عصام بن سعود الزدجالي الرئيس التنفيذي للشركة. ومن خلال سعي الشركة في المساهمة في مثل هذه المشاريع، فإنها تسعى إلى المساهمة في تحقيق الاستراتيجية التي وضعتها لنفسها لدفع عجلة الاقتصاد الوطني وتعزيز القيمة المحلية المضافة من خلال تطوير قطاع الصناعات النفطية والبتروكيماوية في السلطنة.

كما أن دولة الكويت الشقيقة ترى من جانبها أيضا بأن البدء في تنفيذ مشروع مصفاة الدقم بين البلدين الشقيقين يشكّل انطلاق عهد جديد في مسيرة هذا التعاون الثنائي، وفق ما صرح به‏ نبيل محمد بورسلي الرئيس التنفيذي لشركة البترول الكويتية العالمية، معتبرا أن هذا المشروع سيفتح آفاقا واسعة لتطوير القطاع النفطي في البلدين، فيما تساهم الموارد والخبرات المشتركة لشركة النفط العمانية وشركة البترول الكويتية العالمية في فتح آفاق رحبة تدعم تنمية قطاع الصناعات البتروكيماوية بالسلطنة.

إن البدء في تنفيذ هذا المشروع في السلطنة يأتي تماشيا مع الاستراتيجية الوطنية للتنويع الاقتصادي التي وضعتها السلطنة من خلال تعزيز الاستغلال الأمثل للموارد الوطنية وتحقيق الاستفادة القصوى منها، خاصة وأن مثل هذا المشروع سيساهم أيضا في تعزيز الحركة التجارية والعقارية في منطقة الدقم، ويعزز من البيئة الاستثمارية من خلال تنفيذ مزيد من المشاريع في هذه المدينة، وغيرها من المدن العمانية الأخرى، فيما ستكون منتجات هذا المشروع موجودة في الأسواق المستهدفة، وذات جودة عالية تشمل منتجات الديزل، ووقود الطائرات، والنافثا، وغاز البترول المسال، والكبريت، وفحم الكوك وغيرها.

إن المرحلة التشغيلية لمصفاة الدقم التي ستقام على مساحة 900 هكتار قبل نهاية 2020 ستكون بطاقة إنتاجية قدرها 230 ألف برميل يوميا، وسيتم تصدير معظمها إلى الخارج، بينما التكلفة التقديرية لمثل هذا المصفاة كما أشارت إليها البيانات الأولية تصل في حدود 7 مليارات دولار أمريكي، فيما سيتم تمويل ما نسبته بين 60 إلى 65% من المشروع عبر اتفاقيات تمويل مع عدد من البنوك ومؤسسات التمويل المحلية والدولية، وسيقدم النسبة الباقية من التمويل الشريكان الأساسيان في المشروع. أما الفرص الوظيفية المتوافرة بالمشروع فتصل ما بين 700 إلى 800 وظيفة مباشرة، وقد يرتفع العدد نظرا لوجود مشاريع مساندة كثيرة، حيث ستشمل الحزم الإنشائية الثلاث للمشروع على وحدات المعالجة الرئيسية بالمصفاة، والمرافق والخدمات المساندة للمشروع، ومنشآت تخزين النفط الخام في رأس مركز، وخط نقل النفط الخام بطول 80 كيلومترا من منطقة رأس مركز إلى مجمع المصفاة. وإن الشروع في تنفيذ هذا المشروع والتزامه بالمعايير العالمية ستعمل على تعزيز مكانة الدقم كلاعب اقتصادي رئيسي في المنطقة، الأمر الذي من شأنه أن يساهم في قيام صناعات جديدة في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، خاصة وأن المرحلة التشغيلية لمصفاة الدقم ستكون بإذن الله قبل نهاية عام 2020.

لقد أبدت السلطنة اهتماما كبيرا لمشاريع النفط والغاز خلال السنوات الماضية حيث شهدت خلال العقد المنصرم زيادة في إنتاجها النفطي الذي تراجع في فترة ما إلى 430 ألف برميل سنويا، ليصل حجم الإنتاج اليوم إلى حوالي مليون برميل سنويا. وبدأت في العمل على إيجاد التكامل بين المشاريع النفطية حيث عملت على توسعة مصفاة صحار، بينما اليوم تعمل على تعزيز قطاع المصافي والبتروكيماويات من خلال المشروع العماني الكويتي الذي سيتم تزويده بأحدث التكنولوجيا والخبرات لإنتاج منتجات تتوافق من أسواق التصدير العالمية المستهدفة، حيث سيتم تصديرها للأسواق الأوروبية والآسيوية، فيما سيدار هذا المشروع من قبل جهتين، الأولى هي شركة البترول الكويتية العالمية والتي تملك الخبرة العالمية في تشغيل وإدارة المصافي والمصانع في القارتين الأوروبية والآسيوية، والثانية هي شركة النفط العمانية التي لديها باع طويل في الصناعة النفطية والأنشطة التابعة لها. وإن هذه الشراكة بين البلدين الشقيقين السلطنة والكويت سوف تدعم - بلا شك- العلاقات الأخوية القائمة والمتميزة في الكثير من المجالات الاقتصادية والثقافية بجانب العلاقات السياسية التي تعمل على تجنيب المنطقة الصراعات الأجنبية. كما ستسرّع هذه الشراكة من عملية تعزيز التعاون في الجانب الاقتصادي بين الطرفين، وستكون بمثابة الانطلاق لتحقيق الاستراتيجيات التنموية التي يسعى إليها الطرفان في المستقبل القريب.

[email protected]